تثار على السطح الاجتماعي عدة إشكالات لها علاقة بالممارسات الحسينية – الممارسات التي تتصاعد بالذات في الأيام العشرة الأولى من شهر محرم الحرام في الأوساط الشيعية – وبالنمط الذي يقال حولها ، مما يجعل بعض المتمسكين بها قليلي التفاعل مع الإحياءات الحسينية ، حيث تنحسر لديهم المشاركة في الحالات البكائية.

ومن تلك الإشكالات ، الاعتقاد بوجود العديد من الأساطير والصور الخرافية في ثنايا القضية الحسينية ، بمعنى أن فاجعة كربلاء التي نتعاطاها اليوم – كما يرى أصحاب هذا الرأي – هي غير الفاجعة الحقيقية التي حدثت قديماً ، فما هي إلا نسخة مشوهة عن كربلاء الحقيقية.

إن هذا الإشكال بطبيعته قد يتسبب في حدوث ضعف روحي لدى المهتمين بهذا الإشكال ، لدرجة تحد عندها من مستوى التفاعل مع الممارسات الحسينية والبرامج البكائية.

وفعلاً هناك العديد من الناس ممن صادفناهم كانوا طالما يتعكزون على مثل هذا الإشكال للتقليل من شأن الفاجعة أو للتقليل من أهمية النياحة على الحسين عليه السلام.

وبالطبع فإن المعنيين هنا لا يتعمدون الإساءة إلى القضية الحسينية كما قد يُتصور من خلال عرض هذا الإشكال ، وإنما هو في الحقيقة إشكال بريء وفي غالب الأحيان يطرح بشكل علمي ، ولا يهدف أصحابه من وراء طرحه وإثارته إلا المحافظة على قدسية نهضة الحسين عليه السلام وتنظيفها من كل ما قد يسيء إليها من قريب أو بعيد ، لكنه في الحقيقة وفي نهاية المطاف قد يؤدي إلى تشويه قضية كربلاء من حيث نشعر أو لا نشعر.

لذلك ينبغي أن نتساءل: هل هذا الرأي صحيح وعلمي ، وهل الموقف المتحفّظ المتخذ بسببه صحيح أم لا؟

في بادئ الأمر لا يسع أي إنسان علمي إنكار التشويه الذي طرأ على فاجعة كربلاء ؛ إذ إن هناك العديد من العوامل التاريخية لعبت دوراً كبيراً في إضفاء بعض الصور الخاطئة على هذه الفاجعة .. وهذا أمر لا يمكن إنكاره ، ولكن كربلاء ليست كلها مشوهة ، وليست بأجمعها أسطورة .. لهذا يمكن أن نصنف هذا الإشكال ونؤطّره في زاويتين مختلفتين:

1- المبالغات والصور الخيالية التي أضيفت إلى الحادثة وما بعدها ، وهي لا شك لها أبلغ الأثر في تشويه نهضة الحسين عليه السلام ، فهناك بعض مما يتناقل – خاصة في الماضي – يمكن تصنيفه ضمن هذه الدائرة ، كالقول بأن عدد الذين خرجوا إلى كربلاء لقتال الحسين عليه السلام كانوا خمسمائة ألف ، وأن الحسين عليه السلام قتل منهم في عصر يوم عاشوراء أربعمائة ألف ! [راجع في ذلك: أضواء على ثورة الحسين عليه السلام للسيد محمد الصدر] وما أشبه من مثل ذلك.

فهذه مبالغات ينبغي تنقية النهضة الحسينية منها لما لها من دور كبير في عملية التشويه.

ولكن ينبغي أن نقول هنا بأن هذه النقولات وأمثالها أصبحت قضايا تاريخ ، ولا وجود لها في الزمن المعاصر ، والمنبر اليوم بريء منها ، فهو منبر واع وأغلب من يرتقيه هم من أهل الوعي والدراية ، ولهذا فإن هذا الإشكال يصبح في هذه المرحلة سالباً بانتفاء موضوعه ، ولا يمكن أن يصبح عائقاً عن التفاعل مع قضية كربلاء .

2- مجموعة المواقف التاريخية المختلف في ثبوتها ، كالإدعاء بوجود سيدتنا ليلى أم علي الأكبر عليهما السلام في كربلاء ، وزواج سيدنا القاسم عليه السلام ، ومرور السبايا على كربلاء أثناء عودتهم من الشام ومصادفتهم لجابر بن عبدالله الأنصاري في يوم الأربعين ، ووجود سيدتنا أم البنين والدة سيدنا أبي الفضل العباس عليهما السلام إلى ما بعد فاجعة كربلاء ، وما أشبه .

فهذه الأمور والأحداث ليست أساطير وخرافات – أي ليس من الصحيح أن ننظر إليها على أساس أنها خرافات ، أضف إلى ذلك أن الخرافة عادة ما يؤتى بها للمبالغة ولإضفاء طابع خاص على الحادثة ، وهذه الأحداث ليست من هذا القبيل – وإنما هي أمور قابلة للنقاش ؛ إذ الجدل في حقيقة هذه المواقف ما زال قائماً بين المثبتين والنافين ، وكلاهما أدلته قابلة للجرح والمناقشة ، فمن يرفضها علمياً لا تثريب عليه وهو معذور ، وكذلك من يقبلها علمياً.

وبعد ملاحظة هاتين المسألتين نخلص بملاحظتين :

1- إننا لسنا في حاجة إلى الأكاذيب حتى نثبت أحقية موقف الإمام الحسين عليه السلام وسلامة وعظمة مشروعه ؛ إذ في المواقف الثابتة كفاية.

2- إننا لسنا في حاجة إلى التوسل بالخرافات حتى نجترّ الدمعة ونصعّد وتيرة التعاطف مع الحسين عليه السلام وفاجعته – كما قد يتصور البعض – وذلك لأن المبكي في قضية كربلاء ليست الأمور الخرافية ، وإنما القضية بذاتها مبكية ، وكل أحداثها الثابتة ذات طابع مأساوي.