تفضَّل الأخ أحمد البحراني بإسال مجموعة من الأسئلة القرآنية المميزة من خلال باب (مسائل وردود)، والتي ارتأينا أن ننشرها في باب الحوارات لتعم الفائدة. وهذا نص الحوار:

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

سماحة الشيخ فيصل العوامي


س1: هل يمكن حمل بعض الآيات القرآنية على المشترك اللفظي إذا لم تتعارض المعاني المشتركة مع وحدة السياق القرآني ولم تتعارض تلك المعاني مع الآيات المحكمة والروايات المعتبرة والعقل اليقيني القطعي ولم يكن هذا الإشتراك متعارضا مع نفسه ، ويكون هذا الحمل علميا وعمليا إن أمكن ذلك إن لم تكن هناك قرائن صارفة ؟

الشيخ العوامي: بمعنى يوجب تعدد الظاهر في أنٍ لا يمكن، لأنه من استخدام اللفظ في أكثر من معنى في إنشاء واحد، وأما إذا كانت بمعنى الظاهر والباطن فهو ممكنٌ كما في قوله سبحانه وتعالى: (ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعاً)، حيث جاء في الروايات أن الحياة بمعنى الانقاذ من حرقٍ أو غرقٍ، وجاء فيها أيضاً بمعنى الإخراج من الضلالة إلى الهدى. والأمثلة على ذلك كثيرة.


س2: هل يمكن الأخذ بالظاهر القرآني بعد ظهور الأظهر والأخذ بذلك الأظهر إذا لم يتعارض الظاهر مع الأظهر ولم يتعارض مع بقية الأدلة القرآنية والروائية المعتبرة والعقلية اليقينية القطعية ؟


الشيخ العوامي: إذا لم يتنافَ مع الأظهر ولم يخرجه الأظهر عن الحجية أمكن التمسك به.


س3: هل يمكن الأخذ بالمجاز الواحد أو المجازات المتعددة إن كان لها ظهور بعد ظهور الحقيقة وعدم تعارض كل من المجاز والحقيقة مع بقية الأدلة النقلية والعقلية المعتبرة وعدم ترك الأخذ بظهور الحقيقة طبعا ؟


الشيخ العوامي: إذا أمكن القول بحصول ظهور للمجاز لا يتعارض مع ظهور الحقيقة فهو مشمولٌ لحجية الظهور القرآني.


س4: هل المناط والملاك في الظهور والظاهر اللفظي هو مجرد الفهم العرفي أم هو الفهم العرفي الملتفت إلى قصد ومراد المعصوم أو المتكلم والملتفت في نفس الوقت إلى القرائن الحالية أو العقلية أو اللفظية المتصلة والمنفصلة وما أشبه أم أن للظهور مناط آخر وما هو ؟


الشيخ العوامي: المعتبر في ضبط المفاهيم والألفاظ وليس المصاديق الخارجية الفهم العرفي الذي يأخذ بعين الاعتبار المراد الجدي للمتكلم، ولا ينفك ذلك عن ملاحظة القرائن لأنها مأخوذة في نظر العرف.


س5 : هل يمكن أن تعدد أسباب النزول للآية الواحدة أو السورة الواحدة فتنزل نفس الآية أو نفس السورة أكثر من مرة ولا نقصد به تكرار الآيات في القرآن نفسه بل تكرار نزولها ؟


الشيخ العوامي: نعم يمكن، وقد حصل فعلاً في بعض السور كما في سورة الحمد والإخلاص، وفي بعض الآيات كما في آية التبليغ: (بلِّغ ما أُنزل إليك) -على رأي- وفي قوله سبحانه: (سأل سائلٌ بعذابٍ واقع) -على رأي أيضاً-.


س6: هل يمكن أن تعدد أسباب النزول للآية الواحدة أو السورة الواحدة فتنزل نفس الآية أو نفس السورة ولكن نزول الآية أو الآية يكون لمرة واحدة فقط ؟


الشيخ العوامي: نعم يمكن، وله شواهد كثيرةٌ في القرآن.


س7: هل يمكن أن يتعدد النزول فتنزل آيات مختلفة في سور مختلفة لسبب واحد ، فلا تكون تلك الآيات المختلفة في سياق قرآني واحد مع أن سبب نزولها واحد ؟


الشيخ العوامي: نعم يمكن، وذلك من قبيل ما جاء في سورة الكهف عن أصحاب الكهف وذي القرنين وما جاء في سورة الإسراء عن الروح، فإن سبب النزول واحد، ومع ذلك نزلت آيات مختلفة في سورتين والسياق مختلف.

س8: قال تعالى على لسان موسى عليه السلام : ( أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ) حيث كان الغرض من هذا الاستفهام هو الإنكار على قوم موسى عليه السلام وكما هو معلوم فإن خصوص المورد لا يخصص الوارد ، فهل الآية مرشدة ومؤيدة ومقرة لحكم العقل بعدم ترجيح ما هو أقل وأدنى فضلا على الأفضل ، ولحكم العقل بحسن الأخذ بما هو أحسن وأفضل؟


الشيخ العوامي: الظاهر أن الآية تخاطب المتلقي بما يستحسنه العقل والعقلاء أيضاً. وهو إمضاء يفيد صحة ما عليه العقلاء.


س9: هل قول الله عز وجل في محكم كتابه : ( وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ) على استحباب العقلي والشرعي بالأخذ بأحسن وأفضل وأولى الأقوال والأعمال لوحدة المناط ، وقوله تعالى في نفس الآية : ( وأولئك هم أولوا الألباب ) قرينة على كون هذا الاستحباب الشرعية مؤيدة ومؤكدة ومقرة وداعمة لحكم العقل بذلك ؟


الشيخ العوامي: يبدو أن الآية ليست ناظرة للاستحباب، والأحسن هنا ليس في مقابل الحسن وإنما في مقابل الباطل، فعبادة الله سبحانه هو الأحسن، وعبادة الطاغوت هو الباطل.


س10: قال تعالى :(وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين ) بناءا على الآية السابقة هل تكون أحد مقاصد الخلقة هو الإتيان والأحسن والأفضل من قبل العبد على الإطلاق وعدم الاكتفاء بما هو حسن فقط ؟


الشيخ العوامي: هذه الآية ناظرة لغير ما تنظر إليه الآية السابقة، لأن الأحسن هنا في مقابل الحسن، وبالتالي فهي تحفِّز للتنافس بين المتدينين على فعل أحسن الخيرات وليس الحسن منها فقط.


س11: هل قول الله سبحانه : (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ ، أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتىٰ عَلَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ) يستفاد منه باستحباب الأخذ بأفضل المستحبات وأحسنها بل والأعم من المستحبات وعدم التفريط فيها ؟


الشيخ العوامي: هذه الآية كالآية الأولى لا الثانية، لأن الأحسن فيها في مقابل الباطل، فكلام الله سبحانه على كل حال أحسن الكلام وليس في مقابله حسنٌ وإنما باطلٌ، ولهذا فإن عاقبة الأخذ بغير الأحسن العذاب بغتةً.


س12: هل قول الله سبحانه : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) يدل على استحباب المبادرة والإسراع إلى الخيرات ، والخيرات جمع محلى بالألف واللام دال العموم فيشمل بذلك الواجبات والمستحبات والأعم من ذلك كالأوليات ؟


الشيخ العوامي: نعم هو كما ذكرت تماماً، بل هي شاملة لترك المحرمات والمكروهات والالتزام بالآداب.


س13: هل في قول الله سبحانه : (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ) إشارة إلى الاستحباب العقلي إلى فعل الأحسن من الأعمال وإلى الاستحباب العقلي إلى المبادرة والإسراع إلى الخيرات عموما وإلى الأحسن منها خصوصا ؟


الشيخ العوامي: لا أجد في الآية تأييداً لما ذكر في السؤال، وإنما هي تؤكِّد على الاستحباب الشرعي بالمسارعة في فعل الخيرات بمعناها الأعم.


س14: هل يدل قول الإمام الصادق صلوات الله عليه إني لأكره للرجل أن يموت وقد بقيت عليه خلة من خلال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يأتها ) على كراهة ترك المستحبات عموما وعلى كراهة ترك الأولى لأن كل ذلك كان من خلال رسول الله – صلى الله عليه وآله –  ؟


الشيخ العوامي: لا يدل على ذلك لما ثبت في محله من أن ترك بعض المستحبات غير مكروهٍ بالرغم من كراهة ترك بعضها الآخر.

س15: هل يدل قوله تعالى : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) على حرمة الإعراض عن الواجبات وكراهة الإعراض عن المستحبات لكون كل من المستحبات والواجبات ذكر لله سبحانه وتعالى ؟


الشيخ العوامي: دلالتها على حرمة الإعراض عن الواجبات واضحٌ وبيِّنٌ، أما لا دلالة فيها على كراهة الإعراض عن المستحبات، نعم هناك كلام خارج عن هذه الآية حول كراهة الإعراض عن جميع المستحبات لا عن بعضها.


س16: هل قول الإمام زين العابدين في هذه العبارة من دعاء مكارم الأخلاق : (اللهم : لا تدع خصلة تعاب مني إلا أصلحتها ، ولا عائبة أؤنب بها إلا حسنتها ، ولا أكرومة في ناقصة إلا أتممتها) الذي يطلب ويدعو الله فيه بصيغة النهي أن لا يجعل فيه أُكرومة ناقصة إلا أتممها الله يدل على كراهة ترك المستحب وكراهة ترك الأولى لشمول كلمة الأكرومة لكل خير وحسن ومستحب ؟


الشيخ العوامي: لا تدل على كراهة ترك المستحبات بنحوٍ مطلق، وإنما تدل على استحباب العناية بكل ما يصدق عليه أكرومة.


أخيراً أشكر لكم هذه العناية الطيبة واختياراتك الرائعة للتساؤلات، فهي تدلِّل على حذاقةٍ خاصةٍ ومتابعة دقيقةٍ، كما أرجو أن تتقبل مني هذه الإجابة المختصرة.