هذا ملخص للمجالس العاشورائية التي يلقيها سماحة الشيخ فيصل العوامي لهذ الموسم، حيث سيتم تحديثها بشكلٍ يومي. وعظم الله أجورنا وأجوركم بمصابنا في أبي عبد الله الحسين عليه السلام.
 

الليلة الأولى: الشيخ العوامي: الإنسان أمام اختياراته الصعبة ينبغي أن يحسن الاختيار:
 
دعا سماحة الشيخ فيصل العوامي إلى التنبه أمام الاختيارات الصعبة في الحياة، وهو ما أكّدت عليه كذلك الثقافة القرآنية كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (سورة الإنسان: 3).

وقال سماحته: تمرُّ على الإنسان منعطفات حرجة لا يستطيع أن يجمع بينها في آنٍ واحدة بأيّ حال من الأحوال، إذ لا بدَّ له من الاختيار بينها.

وأشار أيضاً إلى أن هناك خطراً عظيماً يحيط بالإنسان ويترصّد له، وذاك الخطر هو مصالح الإنسان الذاتية التي قد تدفعه باتجاه لا ينسجم مع قيم وتعاليم السماء.

فالناس إزاء هذا الخطر على شكلين، البعض يجتاز الامتحان بنجاحٍ رغم قوة الضغوط الواقعة عليه، وأما البعض الآخر فيضرب بقيم السماء عرض الجدار ويقع في شرك ضغوط مصالحه الذاتية ويفشل في الامتحان الصعب.

وذكّر الشيخ العوامي ببعض الأمثلة التي تزدحم بها واقعة كربلاء ممن أفلح مع الحسين عليه السلام في امتحانه متجاوزاً كل المغريات والمصالح وانتصر عليها، وممن فشل في ذاك الامتحان.

 

الليلة الثانية: الشيخ العوامي: لا ينبغي تجاهل البعد الغيبي في تسيير حياتنا:
 
تحدّث سماحة الشيخ فيصل العوامي في الليلة الثانية من محرم عن واقعية البعد الغيبي في حياتنا، منتقداً سعي البعض لتأويل الأحداث الغيبية تأويلاً مادياً متكلِّفاً، من جانبٍ آخر دعا إلى عدم الإغراق في البعد الغيبي معتبراً إياه أمراً خاطئاً، إذ لا ينبغي أن نستبعد البعد المادي في حياتنا.

الشيخ العوامي ومن خلال هدي الآية الكريمة من سورة البقرة: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (243)، التي تتحدث عن قومٍ خرجوا من ديارهم خوفاً الموت بسبب الطاعون وحينما وصلوا إلى منطقةٍ أماتهم الله جميعاً، فسوّر قومٌ آخرون تلك المنطقة بسورٍ، ومرَّ عليهم زمن حتى بليت أجسادهم، وبعد زمن مرّ عليهم نبي الله حزقيل عليه السلام ودعا الله أن يحييهم فأحياهم جميعاً وعاشوا زمناً، وهذه ضربٌ من ضروب الغيب.

وأشار العوامي إلى أن بعض المفسرين فسّر هذه الآية تفسيراً مادياً متكلّفاً، مدعياً بأن المراد بالوت هنا (الجهل والذُّل)، لأنه استشكل التفسير الغيبي، ودلّل على وجهة نظره بأدلة منها أن القرآن الكريم لم يذكر بأن هذا حصل لبني إسرائيل، كما لم يذكر اسم حزقيل، ولو كان لذكره الله، وأن الله لا يميتنا إلا ميتةً واحدةً، أضف إلى ذلك أن التوراة لم تتعرض لهذه الحادثة أبداً، كما أن الآيات التي تلت الآية تتحدث عن القتال، وهذا لا يتناسب مع سياق الآية، وبالتالي فإن الآية من باب ضرب المثل.

ورداً على هذا التأويل قال العوامي بأن القول بأن المراد من الموت هو الجهل يحتاج إلى دليل وقرينة، كما أن القرآن في كثير من الأحيان لا يتعرض للتفاصيل وإنما يكتفي بذكر موضع الشاهد من الحادثة، وأما فيما يخص الاعتماد على التوراة في التدليل على رواية معينة فإنه مما لا يؤخذ به، وخاصة مع قولنا بتحريف هذا الكتاب (التوراة)، وأما بالنسبة لعدم تناسب سياق الآية مع آيات القتال، فإن القرآن لا يمكن الاعتماد على السياق في دعم هذه الرؤية وذاك لأن القرآن متعدد السياقات، إذ إن الآيات التي تسبق هذه الآية تتحدث عن الطلاق، والمعيار الأساس هو ظاهر الآيات والروايات المفسِّرة لها، ثم إن أغلب المفسرين يذهبون إلى الرأي القائل بتدخل الغيب.

وأضاف سماحة إن فرضية الأخذ بالكشوفات العلمية لتفسير الظواهر الغيبية أمرٌ جميل، من حيث البعث عن الأسباب والكيفية التي بها هذه المعاجز إن أمكن ذلك، ولكن هذا كفرض لا يمكن التعويل عليه إن لم نستطع تفسيرها تفسيراً مادياً.

وقال أيضاً إن المعاجز هي مظهر من مظاهر فوقانية الله، وهو واضع القوانين للبشر، ولا يمكن أن نحكم الله بقوانين خاصة بالبشر وهو الذي يتصرّف بهذه القوانين وبإمكانه أن يخرقها، فالقول بأننا لا نموت إلا موتةً واحدة غير صحيح على إطلاقه، إذ أن في التاريخ هناك من أحياهم الله بعد أن أماتهم كما فعل نبي الله موسى عليه السلام ونبي الله عيسى عليه السلام.

واستدرك سماحته إلى أنه لا ينبغي الإغلاق في التفسيرات الغيبية للأمور، إذ لا ينبغي استبعاد التفسير المادي والأخذ بالأسباب.

وهذا ما حدث في كربلاء التي أراد لها الإمام الحسين عليه السلام أن تأخذ بالأسباب المادية، مع ما يكتنفها من أحداث ومواقف غيبية كثيرة.

 

الليلة الثالثة: الشيخ العوامي: لا بدّ لمن يتصدى للسياسة أن يبلغ النضج الكافي للتعاطي معها:
 
تحدّث سماحة الشيخ فيصل العوامي في الليلة الثالثة من محرم الحرام عن لجوء السلطات والأنظمة الحاكمة لغطاء شرعي -في كثير من الأحيان- لتمرير سياساتها وتبريرها، وحتى ولو لم تكن هذه السلطة دينية في الأساس، مشدداً على ضرورة بلوغ النضج الكافي للتعاطي مع الأمور السياسية.

حيث أشار سماحته إلى ذلك من خلال الهدي القرآني كما في قوله تعالى: ﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (سورة القصص: 6)، حيث لم يكن هامان هذا شخصيةً عادية، وإنما كان يتخذ عدة مناصب مهمة في عهد فرعون، بل كان له تأثير واضح على عقلية فرعون كما تشير إلى ذلك الروايات، حيث تروي بأن فرعون حينما رأي المعاجز كاد أن يؤمن بموسى لولا تأثير هامان عليه، لذا فقد كان من ضمن المهام التنفيذية الموكلة إليه أنه قائد القوة العسكرية لفرعون ومسؤول الخزانة، وكبير كهنة المعبد، وكان من خلال منصبه الديني هذا يقدم الغطاء الشرعي لفرعون لتبرير سياساته، ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (سورة غافر: 36).

وأضاف العوامي بأن الكثير من الأنظمة الحاكمة غالباً ما تلجأ لرجال الدين من أجل أخذ الغطاء الشرعي لسياساتهم حتى ولو لم تكن هذه الأنظمة دينية في حقيقتها.

ومن هنا يطرح إشكال في شرعية التعاطي مع السياسة ورجالاتها، حيث ينبغي الحذر عند التعاطي مع السياسة القائمة على الباطل، لكن لا إشكال في مشروعية التصدي للأمور السياسية إذا كانت قائمة على الحق لخدمة الشأن العام، بل ربما يكون التصدي أمراً محموداً ومطلوباً، وكمثال على ذلك (علي بن يقطين/ المتصدي للشؤون السياسية)، (بهلول / غير المتصدي) والهارب منها.

وشدّد سماحته على أن يبلغ الإنسان الأهلية للتصدي للأمور السياسية، وأن يكون صاحب نضجٍ وخبرة وحنكةٍ سياسية، بحيث لا تمرر عليه بعض الأمور وتُتخذ ذريعة لتمرير أمورا باطلة، إذ كثيرا ما تلجأ السلطات لنماذج خاصة من الناس ورجال الدين خاصةً لخدمة مآربهم السياسية.

وهذا ما ينقله التاريخ عن رجال الدين الذين كانت تمتلئ بهم الكوفة وشاركوا في قتال الإمام الحسين عليه السلام، واتخذتهم السلطات الأموية الحاكمة آنذاك غطاءً شرعياً لتمرير مشروعهم في قتل الإمام عليه السلام مع علمهم بقربه من رسول الله excaim.

 

الليلة الرابعة: الشيخ العوامي: ينبغي أن يصاحب التطور العلميَّ تطورٌ روحيٌّ بنفس المستوى:
 
دعا سماحة الشيخ فيصل العوامي إلى ضرورة الاستفادة من الكشوفات العلمية الحديثة من أجل إحداث نقلات نوعية على كافة المستويات العلمية والفكرية والثقافية والحضارية، على أن يصاحب ذلك التطور تطورٌ بنفس المستوى على الصعيد الروحي، على اعتبار أن التطور العلمي منفرداً ربما يؤدي إلى فساد الروح.

جاء ذلك في محاضرته لليلة الرابعة من شهر محرم التي افتتحها بالآية الكريمة: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (سورة سبأ: 12).

حيث أشار سماحته بأن الآية تحدثت عن ثلاث نقلات نوعية حدثت في زمن نبي الله سليمان عليه السلام، ولكل نقلة معناها ودلالاتها، النقلة الأولى تسخير الريح والظاهر أنها لم تكن مسخرةً قبل ذلك، وهذا يفتح أمامنا أسئلة أخرى تتعلق بالولاية التكوينية للمعصوم للتصرف بالكون،  وهو ما يمثّل نقلة في ذلك العصر تجاوز ما سبقه، كما أن هذه الآية تفتح آفاق واسعة، وهو أن هذه النقلة ربما تعمل على إحداث نقلة فكرية وثقافية لطبيعة التفكير الإنساني.

أما النقلة الثانية فهي تسخير الجن والاستفادة منهم في القيام بمهام كبيرة لم يكن باستطاعة الإنسان القيام بمثلها، ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (سورة سبأ: 13)، وهو ما يمثّل نقلة حضارية كبرى في حياة الإنسان في سبيل إعمار الحياة الدنيا، وهذا بدوره يكشف لنا أن الاستفادة من الإمكانات لرفاهية الحياة أمر مشروع للأنبياء فما بالك بعامة الناس!

ونوّه العوامي إلى أن عصر نبي الله سليمان عليه السلام كان أكثر تطوراً من عصر أبيه نبي الله داوود عليه السلام وأكثر تقدماً، مما يدعونا إلى ضرورة أن يكون العصر اللاحق أفضل من السابق من خلال تطوير العلوم بالإضافة والنقد وتجاوز الثغرات السابقة ومن خلال الكشف عن قوانين الكون.

وأكّد سماحته أيضاً على ضرورة أن يصحب التطور العلمي تطور على الصعيد الروحي للإنسان، على اعتبار التطور العلمي دون الروحي ربما يؤدي إلى فساد الروح وإضعافها، وهذا أشارت إلى بعض الروايات من أن سليمان عليه السلام كان متخشّعاً بحيث أنه لم يكن يرفع رأسه للسماء تخشعاً، كما شدّد على أن التطور ينبغي أن لا يؤدي إلى التكبر والطغيان، فإن الإنسان مهما بلغ من مستوى علمي فإنه لا يستطيع الفرار من سلطة الله، ولا يمكنه الخلود، ولو كان كذلك لكان سليمان عليه السلام.

 


الليلة الخامسة: الشيخ العوامي: لا بد من توقير النعم ومن ذلك الإتيان بالصلاة في وقت فضيلتها:


شدّد سماحة الشيخ فيصل العوامي على ضرورة توقير النعم وشكرها وذلك من خلال ذكر المنعم وشكره ومن خلال المحافظة عليها، مهما كانت الظروف والضغوطات.

جاء ذلك في الليلة الخامسة من محرم التي افتتحها بالآية الكريم: ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ، إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ، فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ، رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (صّ:30/33)، إذ تحدّث سماحته عن توقير النعم من خلال حادثة النبي سليمان عليه السلام واستعراض الخيل، حيث فصّل الحديث حولها ذاكراً بأن آراء المفسرين اختلفت حول هذه الآية فمنهم من قال بأن المراد بها أن النبي سليمان قام باستعراض الخيل بالعشي (أي ما بين الزوال والمغرب) وذلك استعداداً للجهاد في سبيل الله،وأطال النظر فيها حتى غربت الشمس ﴿حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ بحيث إنه ضيّع واجباً وهو الصلاة المفروضة، ثم أمر بردها عليه فقام بقطع أعناقها وأرجلها جميعاً ﴿فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ.

إلا أن بعض المفسرين عابوا على هذا التفسير مستندين إلى عدة أمور منها أن الشمس لم تذكر في الآية قط، فكيف يكون المقصود بـ ﴿حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ الشمس؟!، ثم إن القول يأن سليمان قطع أعناق الخيل وأرجلها يتنافى مع ما أشارت إلى الآية في الصدر ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ، أضف إلى ذلك إن تأويل (المسح) بالقطع يحتاج إلى قرينة، في حين أن المعنى الظاهر هو الصافنات (الخيل)، وأن المسح هو المسح المتعارف وذلك رحمةً بها لأنها مصدرٌ للخير.

وأضاف العوامي إلا أن الروايات عندنا أشارت إلى أن المقصود بـ ﴿حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ هي الشمس، بحث أن الشمس توارت بحيث أنه (أي سليمان) كاد أن يفوّت وقت الصلاة عليه، بانشغاله بالخيل، وأنه طبل من الملائكة ردّ الشمس، وكأنه ضيّع واجباً مع انشغاله بواجبٍ آخر وهو الجهاد، وهذا يظهر أفضلية الصلاة ووجوب تقديمها على ما عداها مهما كان.

واستدرك أيضاً بأن المراد بفوات الوقت هنا ليس فواته كله، وإنما المقصود وقت الفضيلة، فالصلاة له من الوقت أكثر من مقدار ركعاتها، وهذا يكشف عن أهمية الإتيان بها في وقت الفضيلة أيضاً دون تضييع أو تسويف، وإلا لهلك سليمان لأنه أخَّر الصلاة عن أول وقتها، وفي ذلك تأكيد على أهمية وقت الفضيلة مع العلم بأن وقتها طويل.

وأشار سماحته إلى هذا المعنى من خلال يوم عاشوراء حيث إن الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه ما ضيعوا الصلاة وأقاموها في وقتها مع أن المعركة كانت قائمة، ومع أن القوم ما أمهلوهم للصلاة بل هجموا عليهم في الصلاة، ومع ذلك أصر الإمام عليه السلام وأصحابه على الصلاة.

 

الليلة السادسة: الشيخ العوامي: رجال المواقف هم من يصنعون التغيير ويدعمونه

تحدّث سماحة الشيخ فيصل العوامي عن (رجال المواقف والمجتمع الرشيد)، وما يمكن أن يعتور المجتمعات من مواقف متباينة ما بين السلبية والإيجابية في طريقة تعاطيها مع المصلحين.

الشيخ العوامي والليلة السادسة من شهر محرم الحرام افتتح المحاضرة بالآية الكريمة ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (سورة يس:13)، حيث بيّن سماحته أن المراد بالقرية هي مدينة أنطاكية التي كانت بدءها ملحدةً ولكنها بعدة مدة من نبي الله عيسى عليه السلام آمنت وتحوّلت إلى أن أصبحت المدينة الثانية للمسيحيين كما المدينة المنورة بالنسبة للمسلمين.

وبيّن كذلك بأن المرسلين الذين أشارت إليهم الآية كانوا عبارةً رسولين ولما كُذِّبا أرسل الثالث، وفي ذلك أقوال، حيث قيل بأن الذي أرسلهم هو عيسى عليه السلام، ولكن هناك قول بأن المرسل هو الله سبحانه بلا واسطة، ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (سورة يس:14)، ويقال أيضاً بأن ثالث هؤلاء الرسل كان شمعون الصفا وصي عيسى عليه السلام، ولكن موقف هذه القرية إزاءهم كان سلبياً حيث إنهم كذّبوهم بل وقتلوهم، وتمثّل الموقف السلبي أيضاً من خلال عملهم على التقليل من قيمة الرسل والحطّ من شأنهم على اعتبار أنهم يولدون من رحم هذه المجتمعات، وذلك حتى لا يحصل التأثر بهم وبقيمهم ومبادئهم، ومن جانب آخر يحاولون أن ينسبوا إلى المصلحين نقاط الضعف والتخلف السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ﴿قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (سورة يس:18)، وهنا تساءل سماحته وما ذنب المصلحين؟! أليس الذنب هو ذنب هذه المجتمعات التي كذّبت؟ فكل ما حاول المصلحون القيام به هو الدعوة للإصلاح والعمل على التغيير ليس أكثر.﴿قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (سورة يس:19)، إذن فما يحصل من ضعف يتحمله المجتمع والأنظمة الحاكمة.

أما الموقف الإيجابي فيتمثّل في موقف ذلك المؤمن الذي التقى بالرسل في أطراف المدينة وبعد نقاش معهم اقتنع بهم وآمن، وهو (حبيب النجار)، ﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (سورة يس:20)، وقوله ﴿يسعى يكشف عن السرعة في إبداء شتى صنوف الدعم للمصلحين مع كل الضغوطات والعقبات التي تواجهه، فمع أن أهل القرية كانوا قساة إلا  أن حبيباً هذا ما تواني ولا ضعف عن النصرة، فأظهر إيمانه دون خشية من أحد ﴿إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (سورة يس: 25)، وما اكتفى بذلك بل دعا الآخرين إلى الإيمان بهم ﴿قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (سورة يس:20)، فكان بحق رجل موقف مع التعبير في الآية بـ ﴿رَجُلٌ تشير إلى أنه كان رجلاً عادياً جداً ولم يكن معروفاً، ومع ذلك قام بدوره الرسالي الكبير والجريء بدعم المصلحين ودعا إلى إتباعهم، مع أن البعض حاول أن يشوّه صورة هؤلاء المصلحين بتصوير دوافعهم بأنها دوافع شخصية مصلحية، في حين أنها كانت إلهية، وكان ثمن هذا الموقف أن دفع حياته في هذا السبيل. وهذا تماما قام به أصحاب الإمام الحسين عليه السلام كحبيب بن مظاهر وغيره الذين كانوا رجال مواقف، قدّموا حياتهم قرباناً ودفاعاً عن الحق وأهله.

ولكن ماذا كانت النتيجة؟ بالنسبة له، إلى ذلك تشير الآية ﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (سورة يس: 26-27)، أما نتيجة أصحاب المواقف السلبية لأهل تلك القرية فكان ﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (سورة يس: 29)، والهلاك ليس من الضرورة أن يكون بالموت دائماً وإنما قد يكون بالضعف والذل والتخلف.

 

الليلة السابعة: الشيخ العوامي: التطلع إلى المنصب السياسي مشروعٌ إذا كان من أجل إقامة العدل والحرية
 
 
شدّد سماحة الشيخ فيصل العوامي على أن التطلع إلى المنصب السياسي وإدارة شؤون البلاد والعباد مشروعٌ إذا كان من أجل إقامة العدل والحرية بين الناس بعيداً عن أساليب التسلط والقسر والإجبار التي يمارسها الكثير من الحكام.

جاء ذلك في محاضرته ليلة السابع من شهر محرم التي استهلها بالآية الكريمة: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ، قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (سورة ص: 35).

في البدء تساءل عن المقصود بالفتنة في الآية؟!

حيث أشار إلى أن آراء المفسرين حول ذلك متباينة، إلا أن الروايات الواردة عن أهل البيت عليه السلام تشير إلى أن سليمان مع ملكه العظيم الذي حاز عليه إلا أنه لم يرزق بولد، فطلب من الله أن يرزقه، وكانت الشياطين التي تخدمه تخشى أن يخلفه ولد يحكمها من بعد سليمان، وتشير الروايات أيضاً إلى أنه رزق بولد بالفعل ولكنه أخفاه عن الشياطين خشيةً عليه منهم، وفي يومٍ من الأيام دخل على عرشه فوجد ولده ملقىً عليه وهو ميّت، وكأنه كان ينبغي عليه أن لا يخشى من أحد غير الله فهو الحافظ، والتفت هنا إلى (خطأه) وأناب إلى ربه وطلب المغفرة، وطلب أيضاً طلباً آخر وهو الملك العظيم الذي لا ينبغي لأحدٍ بعده، ﴿وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي، ولم يكن غرضه من ذلك فقط الحصول على المنصب السياسي، وإنما من أجل إقامة العدل بين الناس وهو الهدف الأسمى لهذا المنصب، وتشير الروايات أيضاً إلى أن الملك كان بالغلبة والجور والإجبار، وطلبه للملك على أن لا يكون بتلك الوسائل غير المشروعة، وكأنه يرد أن يقول كذلك بأن من سيأتي بعده سيكون بالحور والغلبة وما شابه...

وأضاف الشيخ العوامي بأن سليمان عليه السلام كان نموذجاً مغايرة عن بقية الأنبياء من حيث حياته التي اتسمت بالأبهة والثراء، ولكن لماذا؟!

في إجابته على ذلك أشار العوامي إلى أن كل نبي كان يأتي بمعجزةٍ تتناسب مع الطبيعة السائدة في عصره، كالطب والسحر والبلاغة وما أشبه... بحيث يتفوّق على مبدعي ذلك العصر ويعجزهم، وهكذا لو جاء النبي في زمانٍ كزماننا لجاء بما يتناسب وهذا الزمان، ويبدو أن التفوّق الحضاري والعمراني والجمالي هو السائد في عصره، فكان مجيئه بما يتناسب والطبيعة الرائجة في ذلك الزمان.

وأكّد العوامي على أن تطلع النبي سليمان للمنصب السياسي لم يكن بدافع الحصول على ذلك المنصب وحسب أياً كانت الوسيلة والنتيجة، بل كان تطلعه لذلك من أجل إقامة العدل ولأنه يمثّل الدين ولأنه فقيه وأعرف بأمور الدين كان الأجدر لتسنّم ذلك المنصب السياسي، كما أن إقامة العدل يقتضي منه أن يكون مبسوط اليد.

من جانبٍ آخر أشار سماحته إلى بعض الروايات تحدّثت عن سليمان عليه السلام ذاكرةً بأنه مع كونه نبياً لم يعتزل الحياة ويتوجّه للعبادة والترهبن والزهد في الدنيا، بل كان الأفضل هو القيام بدورٍ مهم متمثّل بإقامة العدل، بخلاف ما يذهب إليه البعض من أن الأفضل للإنسان المتدين اعتزال الحياة والتفرغ للعبادة.

وهذا تماماً ما حدث في نهضة الإمام الحسين عليه السلام حيث لم يفهم مقصده حتى بعض أقرب الناس إليه كأخيه عمر الأطرف ومحمد بن الحنفية، اللذان طالباه بعدم الخروج إلى العراق والذهاب بعيداً، ولم يكونا كأبي الفضل العباس عليه السلام الذي وعى مقاصد النهضة الحسينية وأهدافها، المتمثلة بإقامة الدين والإصلاح، ولذلك حاز تلك المرتبة العالية الرفيعة، واستحق الثناء.

 

الليلة الثامنة: الشيخ العوامي: العقائد والأفكار لا يمكن أن تؤخذ إلا بالإقناع

أكّد سماحة الشيخ فيصل العوامي أن العقائد والأفكار لا يمكن أن تؤخذ بالإكراه بأي حالٍ من الأحوال، معتبراً الإقناع هو الطريق الوحيد للأخذ بها.

جاء ذلك في محاضرته لليلة الثامن من محرم الحرام التي استهلها بالآية الكريمة: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (سورة البقرة: 63).

ذكر العوامي بأن بعض الباحثين من المستشرقين أشكل على حصول هذه الحادثة من الأساس، في حين أن بعض المفسرين ومنهم محمد هادي معرفة فسّرها بشكل مادي بعيد عن الإعجاز، حيث قال بأن القضية طبيعية وذلك بأن قطعة من الطور (جبل سيناء) سقطت -بعد حدوث زلزلةٍ- واقتربت منهم بشكلٍ طولي فظن بنو إسرائيل أنها ستقع عليهم، وهذا بعد مجيء موسى عليه السلام إليهم لأخذ الميثاق والعهد بالإيمان، وبرّر أصحاب هذا الرأي بأن (الرفع) هو ذاته (النتق) في قوله سبحانه: ﴿وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (سورة الأعراف: 171)، وهو الرفع والزعزعة.

وأضاف سماحته بأن التأمل في الآية والرجوع إلى الروايات يوحي بخلاف ذلك، فالظاهر أن الجبل كله لا بعضه رُفِع، ثم أن الآية تتحدث عن رفعٍ وليس عن سقوط والاختلاف بينهما واضح، وينبغي تفسير (النتق) بالرفع لا العكس لأن (الرفع) واضح المعنى بينما (النتق) ليس كذلك، وإن كان من رفض الأخذ بالروايات الموضحة لهذه الآية إنما رفضها خوفاً من الوقوع في الإسرائيليات وهو ما وقع فيه بالفعل حينما قال بعد إيراد تفسيره للآية: (وهذا ما يتناسب مع ما ورد في العهد القديم).

وتابع العوامي قائلاً بأن بعض الباحثين استشكل على فهم الآية القائل: بأن موسى عليه السلام حينما دعا بني إسرائيل إلى الإيمان وأخذ الميثاق رُفع الجبل تخويفاً وتهديداً لهم بأن آمنوا وإلا فإن الجبل سيقع عليكم، وكأنه إيمان تحت الإكراه، وبرّر أصحاب هذا الرأي بأن ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (سورة البقرة: من الآية 256)، مختصة بالإسلام، أما ما عداه من ديانات فليست مختصةً به.

وتساءل: هل يمكن القبول بأن الدين قائم على الإكراه؟!

وردّ ذلك بقوله إن ذلك غير مقبولٍ بكل تأكيد، خاصةً وأن القرآن يقول : ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ، فكيف يأخذوا ما فيه ويطبقونه بغير قناعة منهم به؟! إلا إذا كانوا مقتنعين به بالفعل.

من هنا لا يمكن القبول بهذا التفسير، حيث أن العقائد والأفكار لا يمكن أن تؤخذ إلا بالإقناع والنقاش العلمي القائم على الدليل العلمي، وأن الرفع كان مجرد آية لإقناعهم فمع أن الأنبياء كانوا يمتلكون القدرة على الإقناع إلا أنهم أتوا بالمعاجز أيضاً لذات السبب.

وشدّد سماحته على أن الأسلوب العلمي هو الطريق الوحيد للإقناع خاصةً ونحن نعيش اليوم في عالمٍ تتوفر فيه وسائل الاتصال المتطورة بحيث تجعل المعلمة تحت متناول اليد، وهذا يفرض علينا أن نتسلح بالعلم والمعرفة لنكون مهيئين علمياً لتقديم إجابة على استفسارات أبناء هذا الجيل المليء بالأسئلة والمراجعات العلمية والنقدية التي تتضمن تشكيكات في بعض المسلّمات، بخلاف الماضين الذين كانوا يسلّمون بما يقدّم إليهم من أفكار.

وأضاف بأن عدم سلوك هذا الطريق العلمي فإن هذا الجيل وإن رضخ لك الآن إلا أنه سيظهر أفكاره وأسئلته في يوم ما، لأنك لم تقدّم الإجابة الوافية، وتكون بذلك فتحت باباً لسلوك الطريق الخطأ، وهذه إحدى القضايا المهمة في هذا العصر.

 

الشيخ العوامي: المطالبة بالحقوق أمر مشروع ولا يحصل عليها إلا بها

أكّد سماحة الشيخ فيصل العوامي على ضرورة وجود إرادة اجتماعية تتمسّك بحق المطالبة بالحقوق التي يكفلها الدين كما تكفلها كافة المواثيق والعهود الدولية، معتبراً إياها الطريق لتحصيل الحقوق المسلوبة سواء على مستوى الحقوق المذهبية الخاصة بنا كطائفة شيعية، أو الحقوق الوطنية العامة.

جاء ذلك في محاضرته لليلة التاسعة من محرم الحرام التي استهلها بالآية الكريمة: ﴿قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (سورة المائدة: 26).

الشيخ العوامي أوضح بأن الآية تشير إلى قضية حدثت لبني إسرائيل مع نبي الله موسى عليه السلام، حين وقعوا في التيه مدة أربعين عاماً، وبرّر سبب ذلك إلى تكاسلهم عن المطالبة بحقوقهم، إذ بعد أن انتصر موسى على فرعون لم يعد هو وبنو إسرائيل إلى مصر، وإنما خرجوا إلى صحراء سيناء مع ما فيها من صعوبة حياةٍ وقلة مياهٍ، في الوقت الذي أنزل فيه عليهم المنّ والسلوى والينابيع المفجرة... لكنهم لم يرضوا بذلك فجاءهم الأمر أن اذهبوا إلى الأرض المقدسة (أرض الشام)، ومن أجل ذاك بعث إليها باثني عشر نقيباً من لكل سبط نقيب لغرض الاستكشاف فوجدوا سكان تلك البلاد كبار الأجسام وأقوياء، فلما عادوا بالخبر طلب منهم موسى عليه السلام إخفاء الخبر عن بني إسرائيل ولم يلتزم بذلك إلا اثنان منهم، في حين أفشى الآخرون الخبر فقرر بنو إسرائيل عدم الذهاب إلى الأرض المقدسة خوفاً وكسلاً والعودة إلى مصر، ولذلك حرّم الله عليهم دخولها، وفي طريق العودة تاهوا في صحراء سيناء أربعين عاماً حتى مات موسى وهارون في التيه كما مات كل من تكاسل عن تحمل المسؤولية والمطالبة بحقه في دخول تلك الأرض حيث أتى جيلٌ جديد تحمل مسؤولية المطالبة فدخلوها.

وأما السبب الذي من أجله كتبت هذه الأرض لهم، فأجاب العوامي: من أجل أن يجعلهم سادة بعد أن كانوا عبيداً، ثم إنها أرض مليئة بالخيرات.

ساق العوامي ذلك ليخلص إلى المطالبة بالحقوق والمجاهرة بها أمرٌ مشروع ومطلوب، بل لا يمكن الحصول على الحقوق إلا من خلال المطالبة وتحمّل المسؤولية، وكما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: (لنا حق، فإن أعطيناه، وإلا ركبنا أعجاز الإبل، وإن طال السرى)، وهذا مظهر من مظاهر المجتمعات الناضجة، وبخلاف ذلك فإن هذا المجتمع سيظل في التيه والعناء ومكابدة الحياة.

وأكّد سماحته على ضرورة إيجاد إرادة اجتماعية ضاغطة للمطالبة بالحقوق، فهذا الأمر ليس واجب فئة دون فئة، وإنما هو واجب الجميع.

وأضاف بأن بالحقوق يمكن تقسيمها إلى قسمين: قسم يتعلق بنا كطائفة شيعية لنا حقوق سُلبت منا لأنا شيعة فينبغي أن نطالب بحقوقنا بكل جدّ ومسؤولية، وهذا ما اعترف حتى بعض الكتاب في الصحافة وبعض وسئل الإعلام، وربما حتى من قبل بعض المسؤولين، ولخّص شيئاً من هذه الحقوق والتي منها الاعتراف  الرسمي بالمذهب الشيعي كأحد المذاهب الإسلامية الخمسة، كما أن للدول مذهبها الرسمي الخاص، حتى يقطع الألسن التي تتطاول علينا بالتكفير.

وأضاف أيضا من ضمن هذه الحقوق التي ينبغي المطالبة بها رفع التمييز الطائفي بكل أشكاله وعلى شتى المستويات السياسية والدبلوماسية والعسكرية والتعليمية...، مؤكّدا بأن الطائفة فيها من الكفاءات والخبرات ما يؤهله لمثل هذه المناصب، وشدّد على ضرورة رفع التمييز في المناهج الدراسية بحيث تحترم خصوصية المذهب الشيعي بحيث يُدّرس لأبنائه، هذا فضلاً عن إزالة كل مظاهر التهجم عليه في هذه المناهج، معتبراً ذلك سبباً لاستعداء هذه الطائفة.

كما شدّد على حقٍ آخر وهو حرية المعتقد وحق التعبير عن المسائل الفكرية والدينية، ومن ذلك حرية ممارسة الشعائر الدينية الخاصة بنا وفي كل مكان.

أما فيما يخصّ القسم الآخر من الحقوق وهو الحقوق الوطنية العامة فتعرّض لحق المشاركة السياسية، إذ اعتبر أن من حق المواطن أياً كان انتماؤه (سنةً وشيعة) المشاركة في إدارة شؤون الوطن ترشيحاً وانتخاباً.

وطالب أيضاً بضرورة تفعيل حقوق الإنسان وقوننتها بحيث يعرف المواطن حقوقه وكيفية المطالبة بها، إذ من غير المقبول التعدي على هذه الحقوق.

 

الليلة الحادية عشرة: الشيخ العوامي: نرفض الاتهام لنا بالتواطؤ مع الخارج للالتفاف على المطالب

تأكيداً لما تحدّث عنه في الليلة التاسعة من مشروعية المطالبة بالحقوق العامة والخاصة تحدّث سماحته في الليلة الحادية عشرة بعض الأساليب التي يحاول الجهات الرسمية الالتفاف من خلالها على هذه المطالب، ومنها محاولة تشويه صورتها بوصفها بـ(العمل الطائفي)، وهو ما يجانب الصواب مذكّراً بأن تاريخ الطائفة الشيعية يشهد لها بالبعد عن هذا الحسِّ البغيض.

وأضاف سماحته بأن المطالب التي تسعى إليها الطائفة تقع المطالبة بالمساواة بين فئات الوطن بلا تمييز بينهم على رأسها، إذ ينبغي أن تكون كل فئات الوطن متساوية في الحقوق والواجبات، مستدركاً بأن من يوصف بـ(الطائفي) هو الذي يتخذ التكفير والحط من الآخرين وسيلة له، وهو بعيد عنا كل البعد.

أما الأمر الآخر الذي من خلاله يحاول البعض الالتفاف على المطالب المحقة للطائفة فهو اتهام الشيعة بالتواطؤ مع جهات خارجية وأن مطالبهم ما جاءت إلا بإيعازٍ من تلك الجهات، ووصف العوامي هذا الاتهام بأنه ينمُّ عن غباءٍ سياسي، إذ إن هذا الاتهام يفتح المجال أمام الجهات الخارجية للتدخل في الشؤون الداخلية لهذا البلد.

ورداً على هذه التهمة أكّد سماحته بأننا كطائفة شيعية نرفض تدخل أي طرفٍ قريباً كان أم بعيداً، كما نرفض كذلك تصدير مشاكل الأطراف والدول الخارجية إلينا، وهذا ما تعلم به كافة الجهات الحقوقية والدولية، وأضاف بأننا نعتزَّ بكفاءاتنا وقدراتنا ورجالاتنا التي تتحدث بلساننا، ولا نقبل وصاية من أحد.

والأمر الثالث وهو من الأخطاء الذي تتحمله الجهات الإعلامية وهو محاولة تضخيم ما يحدث في المناطق الشيعية وبشكلٍ مغلوط ثم مطالبة شخصيات المنطقة التبرؤ واستنكار هذه الأحداث بغرض الالتفاف على المطالب، والتنكر لها، وهذا ما لن يجدي نفعاً.

وشدّد على أن الحوار وإتاحة الفرصة لأهل المنطقة للمجاهرة برأيهم هما أحد الأساليب المهمة لحلحلة المشاكل.

 

الشيخ العوامي: ينبغي الاهتمام بالثقافة الحقوقية والمطلبية لتحصيل الحقوق

أكّد سماحة الشيخ فيصل العوامي إلى ضرورة الاهتمام بالثقافة الحقوقية والمطلبية بحيث تتحول إلى ظاهرة تعبّر عن إرادة اجتماعية عامة غير مقتصرة على فئات محدودة.

وأشار الشيخ العوامي خلال محاضرته في الليلة الثانية عشرة إلى مقدمات اعتبرها ضرورة لتحصيل الحقوق، وأولاها الاهتمام بتحصيل الثقافة الحقوقية من خلال المشاركة في دورات متخصصة بهذا المجال، على اعتبار أن المعرفة الحقوقية تعين الإنسان على فهم أفضل للمواد والقوانين والأنظمة الحاكمة والمتعلقة بمختلف الدوائر والجهات الرسمية.

وأضاف سماحته بأن البعض في هذه الجهات ربما يجهل الكثير من هذه المواد والقوانين والأنظمة مما يجعله يتعامل مع القضايا المختلفة بمزاجية بعيداً عن القانون.

أما النقطة الثانية التي أشار إليها فهي الدعوة إلى التعرف على الجهات الحقوقية المهتمة بالعمل الحقوقي والمطلبي على المستوى المحلي، بغرض التواصل معها للاسترشاد بها والاستفادة من خبراتها لمعرفة تفاصيل التعامل مع القضايا الحقوقية، أضف إلى ذلك الجهات الحقوقية العالمية.

أما ثالثة النقاط فتابع العوامي قائلاً: بأن الكثير من المشاكل الجزئية الحاصلة غالباً من يتغاضى أصحابها عن المطالبة بحقوقهم في حين كان من المفترض التواصل مع الجهات الحقوقية ومتابعتها والسعي الحثيث لتحصيل الحقوق،ة معتبراً أن التواصل مع الجهات الحقوقية يعطي القضية بعداً ووجاهة أكبر يساهمان في حلها، كما أن هذا التواصل يجعلنا أكثر وعياً بالإجراءات الواجب إتباعها في هذا المجال.

من جانبٍ آخر دعا إلى الإكثار من الجهات الحقوقية في مجتمعاتنا، ممبرراً ذلك بأنه يعكس مدى انتشار الوعي الحقوقي في المجتمع.

وأضاف بأن هناك تصوّراً يرى بأن المحاولة لتحصيل الحقوق لا يجدي، بحيث تحوّل هذا التصور إلى ثقافة عامة للأسف الشديد، وهذا يكشف عن قصور في مستوى الاهتمام بهذا الجانب المحوري.

وتابع قائلاً في ختام حديثه بأن رفع مستوى الاهتمام يفتح عين الجهات الرسمية على أن وعي الناس بالمسائل الحقوقية أصبح بمستوى لا يمكن القفز عليه.

 

الشيخ العوامي:كافة مواقف الإمام الحسين عليه السلام فقهٌ ودروس.

دعا سماحة الشيخ فيصل العوامي إلى التأمل في تفاصيل أحداث النهضة الحسينية من اجل استخلاص الدروس والعبر، مضيفاً بأن كل موقفٍ من مواقف الإمام الحسين عليه السلام يمكن أن نستنبط منه حكماً فقهياً ودرساً وعبرةً.

الشيخ العوامي في الليلة الثالثة عشرة أشار أن ما يشهده العالم من تفاعل متزايدٍ وتمدد واسعٍ مع النهضة الحسينية يشكّل درساً كبيراً، مؤكّدا على أن على التفاعل في مختلف بقاع العالم يدلّل على نجاحها بشكلٍ لم يكن يخطر على بال أعدائه يوم العاشر، وإن كان هذا النصر حاضراً وبقوة عند الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته (عع) وأصحابه وبيقين كبير، (فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فو الله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين...)، وبقي لأهل البيت (عع) الجلود والكرامة في حين بقي لأعدائه العار الدائم.

وأضاف أيضاً إلى أن التفاعل الروحي مع هذه المناسبة يعدُّ طريقاً إلى القيم التي من أجل نهض الإمام عليه السلام كما أشار إلى أن الدموع التي نريقها تعتبر من أرقى درجات التضامن مع هذه النهضة وقيمها.

وتابع قائلاً: تجلى في كربلاء نمطان من القيم، فقد تجلت كل قيم الفضيلة في الحسين عليه السلام وأصحابه، كما تجلت كل قيم الرذيلة في أعدائه.

كما دعا في الختام إلى التبصر في مواقف الإمام الحسين عليه السلام ودراستها دراسة فقهية، فقوله وفعله وسكوته فقهٌ يمكن من خلاله استخلاص الأحكام والآداب.


 

 للاستماع للمحاضرات من هنا

كما يمكنكم المشاهدة من هنا