أَقَرَّ البعض بأن رجال القانون لم يستقروا «على تعريف موحد للحق، بل اختلفوا فيما بينهم اختلافاً بيِّناً»(1) ، فمنهم مَنْ قسَّمَ الحق إلى نظريات تقليدية وحديثة.

فأما التقليدية، ففيها الاتجاه الشخصي، وهو ما يُعَرِّف الحق من خلال صاحبه بأنه قدرةٌ أو سلطة إرادية للشخص يستمدها من القانون في نطاق معلوم(2) . وفيها الاتجاه الموضوعي، وهو ما يُعَرِّف الحق بأنه مصلحة يحميها القانون(3) ، بحسب ما نُسِب إلى الألماني «إيهرنج» وأساسه أن الإرادة ليست هي جوهر الحق، إنما جوهره الحقيقي هو تلك المصلحة التي ترمي الإرادة إلى تحقيقها(4) . وفيها أيضاً الاتجاه الذي حاول المزج بين الاتجاهين الشخصي والموضوعي لتلافي الاشكال وسد  الثغرات التي تؤخذ عليهما، لكن أصحاب هذا الاتجاه أيضاً لم يتفقوا على تعريف واحد(5) ، فمنهم من اعتبر الحق قدرة إرادية معطاة لشخص معين في سبيل تحقيق مصلحة يحميها القانون، ومنهم من عرف الحق بأنه المصلحة التي يحميها القانون وتدافع عنها قدرة إرادية معينة(6) .

وقد أُخِذ على هذه النظرية في الاتجاه الشخصي والجامع بينه والموضوعي أنه قرن الحق بالإرادة مع أنه قد يثبت لعديم الإرادة كالصبي والمجنون، ومفاد ذلك اعتبار الولي أو الوصي القائم على الصبي والمجنون هو صاحب الحق، وذلك غير صحيح. كما أخذ على الموضوعي والجامع بينه وبين الشخصي أنه عرّف الحق بالغاية منه لا بجوهره، هذا إضافة إلى أنه اعتبر الحق متضمِّناً لمصلحة معينة، في حين ليس كل مصلحة من الحقوق(7) .

هذا بالنسبة للنظرية التقليدية، وأما بالنسبة للنظرية الحديثة فقد نُسِبَتْ إلى البلجيكي «دابان» الذي قدَّم تفسيراً خاصاً للحق بهدف تجاوز الإشكاليات على النظرية التقليدية، وملخّص تفسيره أن الحق «ميزة يمنحها القانون لشخص معين ويحميها بطريقة قانونية، وبمقتضاها يتصرف الشخص متسلطاً على مآل معترف له به بصفته مالكاً ومستحقاً له»(8) .وهذا التفسير ينحل إلى أمور:

الإستئثار: ويراد به اختصاص شخص ما وإن لم يكن صاحب إرادة كالصغير(9)  بشيء مادي كالمنقولات، أو بقيمة معينة كسلامة الحياة، كما يشمل العلم والامتناع عنه(10) .

التسلط: ويعني القدرة على التصرف في محل الحق، وإن لم تكن إرادة، مع إمكانية وجود النائب لفاقد الإرادة.

ويُكَمَّل هذان الأمران بالرابطة القانونية، باعتبار أن الحق يفترض تلقائياً وجود أكثر من طرف، بحيث يكون الجميع محترِماً لحق غيره، مع اشتراط الحماية القانونية لصاحب الحق(11) .

ومن القانونيين من اكتفى بعرض الجانب الحديث من النظرية، ولكن بشيء من الإختلاف مع نظرية دابان، كالقانوني الأمريكي وسلي هوهفلد بحسب ما نقل عنه دليل أكسفورد للفلسفة، فدابان اعتبر الحق مكوِّناً لعناصر أربعة (الإستئثار، التسلط، الرابطة القانونية، والحماية القانونية)، بينما هوهفلد غيَّر في العناصر من حيث الإضافة والحذف، فقال أنها أربعة أيضاً وهي (الدعوى، الحرية، السلطة، والحصانة).

ويريد بالأول أن إقرار القانون بحق لأحد يعني امتلاكه للأساس القانوني للمطالبة بالمنافع المنطوية تحت عنوان ذلك الحق، وأما الثاني فيعني به القدرة على التصرف ضمن حدود الحق بقرار فردي ومن دون استئذان من أحد، والثالث يعني أن لصاحب الحق ولاية على كل ما هو موضوع للحق، وأخيراً الرابع يعني عدم وجود مؤاخذة أو عقاب مترتبة على تصرف صاحب الحق في ما هو حق له(12) .

ومنهم أيضاً من عَرِّفَ الحق بأنه «ما لا يحيد عن قاعدة أخلاقية، يعني ما هو مشروع وقانوني في مقابل ما هو فعلي وواقعي، إنه فعل فعل أو الاستمتاع بشيء أو إلزام الغير به تبعاً لقواعد تحكم العلاقات بين أفراد ينتمون إلى نفس المجتمع»(13) .

وقريب منه ما جاء عن لالاند في معجمه الفلسفي حيث اعتبره «معياراً أو قاعدة قانونية أخلاقية تؤطر علاقات الأفراد فيما بينهم داخل مجتمع سياسي منظم»(14) .

ومن هذا القبيل توجد أيضاً تعريفات كثيرة تتغاير ربما في بعض الجزئيات أو بعض اللحظات مع ما ذُكِر. وكل ذلك يدلل على وجود اختلاف بَدْوي بين نظريات الفلاسفة وعلماء القانون حول مفهوم الحق. والسؤال هنا: هل يمكن إيجاد جامع لمفهوم الحق وتشكيل رؤية واحدة على صعيد علم القانون بالرغم من التعدد المعهود في كلمات القانونيين والفلاسفة؟. هذا ما سنتعرض له في العنوان القادم.


1. http://www.blog.saeeed.com/2011/04/concept-droit-vie-droit-positif-les-theories-traditionnelle-moderne/ 2. المدخل إلى العلوم القانونية، أحمد فيغو، ص235. أنظر المصدر السابق. 3. http://www.blog.saeeed.com/2011/04/concept-droit-vie-droit-positif-les-theories-traditionnelle-moderne/ 4. النظرية العامة للقانون والحق في القانون الليبي، محمد إبراهيم الدسوقي، 223. أنظر المصدر السابق. 5. http://www.blog.saeeed.com/2011/04/concept-droit-vie-droit-positif-les-theories-traditionnelle-moderne/ 6. النظرية العامة للحق، د. رمضان أبو السعود، ص17. أنظر المصدر السابق. 7. http://www.blog.saeeed.com/2011/04/concept-droit-vie-droit-positif-les-theories-traditionnelle-moderne/ 8. النظرية العامة للقانون والحق في القانون الليبي، مصدر سابق، ص225. 9. المدخل إلى القانون، حسن كيرة، ص423. 10. النظرية العامة للحق، مصدر سابق، ص240. 11. http://www.blog.saeeed.com/2011/04/concept-droit-vie-droit-positif-les-theories-traditionnelle-moderne/ 12. أنظر: رجل السياسة دليل في الحكم الرشيد، الدكتور توفيق السيف، ص189- 190، الشبكة العربية للأبحاث والنشر- بيروت، الطبعة الأولى 2011م. 13. فضاء الفلسفة، الشبكة العنكبوتية. 14. http://www.lyceee.com/doros/Philosophie/droit-3adala.pdf