الظاهر من عبارة السيد المدرسي أن الهدى يعني التمييز بين الخير والشر وشبههما(1) ، وقريب منها عبارة الترابي الذي رأى بأن الهدى يتلخص في التمييز بين الحق والباطل(2) .

والذي يبدو أن العبارتين تفصحان عن نتيجة الهدى، فالتمييز بنفسه ليس هو الهدى، إلا إذا كان المراد من الهدى اسم المصدر، أما الهدى بالمعنى المصدري فتعني «التقدّم للإرشاد، هديته الطريق أي تقدمته لأرشده. وكل متقدم لذلك هاد. ويقال أقبلت هوادي الخيل أي أعناقها، ويقال هاديها: أول رعيل منها لأنه المتقدم. والهادية: العصا، لأنها تتقدم مُمسكها كأنها ترشده»(3) .

فالهدى بالمعنى المصدري: التقدم للدلالة على الطريق، والدلالة هذه تعين على التمييز بين الصحيح والسقيم، وهو المراد من الهدى بمعنى الإسم المصدري.

بهذا فالكتب السماوية هدى، لأنها لا تكون خلف الإنسان وتدفعه نحو طريق مجهول، وإنما تكون أمامه لتدلّه على الطريق الصحيح. تماماً كالفرق بين السياقة والقيادة، فقد جاء في اللغة «القود: نقيض السوق، يقود الدابة من أمامها ويسوقها من خلفها، فالقود من أمام والسوق من خلف»(4) .

إن هذا الفارق كبير جداً وهام، فالسَّوْق من الخلف يدلل في بعض استعمالاته ومصاديقه على أن السائق غير مطمئن للطريق وغير عارف به، بل قد يكون خائفاً وحذراً، ولهذا يتراجع للخلف ويدفع غيره للأمام، حتى لو وقع أي مكروه يصاب به الآخر وينجو هو، ومن ذلك ما جاء في قوله سبحانه ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً(5) . مع أن السوق قد يأتي في بعض المصاديق من باب التكريم، حيث يُقَدَّم صاحبُ الشأن الرفيع، كما في قوله سبحانه ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً(6) .

أما القيادة من الأمام فتدلل على اليقين والمعرفة التامة بالطريق، لأن الذي في الأمام يكون كالدليل العارف بالطرق المستوية والوعرة، وبالتالي فهو لا يخشى شيئاً ولا يحذر، ويستطيع أن يتجنب بصاحبه أي عثرة، لما لديه من الوضوح والبصيرة التامة.

والظاهر أن هذا هو الفارق الكبير بين العطاء العلمي الإلهي والعطاء البشري، فالأول يقوم بالقيادة بينما يقوم الثاني بالسياقة بالمعنى الأول، لأن الإلهي يقيني والبشري شكِّي.

على هذا فالكتب السماوية هادية، لأنها تحمل اليقين التام والمعرفة الكاملة بالحاضر والمستقبل، ولهذا فهي تأخذ الإنسان دائماً نحو الحقيقة النظرية والعملية، وتحول بينه وبين المزالق والعثرات التي تواجهه سواء في بحثه عن المعرفة أو سعيه لتشخيص مواقفه في الحياة.


1. من هدى القرآن، مصدر سابق، ج1 ص373. 2. التفسير التوحيدي، مصدر سابق، ص228. 3. معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج6 ص42. 4. لسان العرب، مصدر سابق، ج3 ص370. 5. الزمر 71. 6. الزمر 73