يفصح نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله بعد كل ذلك عن الصفات التفصيلية للقرآن الكريم، ومنها (وهو الدليل يدُل على خير سبيل)، فماذا يراد بالدليل؟

مادة (دلّ) تعني في كلمات اللغويين: إبانة الشيء بأمارة تتعلّمها، والدليل الأمارة في الشيء(1) ، وهو المرشد والكاشف(2) . فالدليل هو الذي يضع أمارة وعلامة إرشادية لكشف الطريق ومعرفة الأيسر منه نحو الهدف.

وهذا من صفات كلام الله عز وجل، فالطرق في الحياة وعرة ومتعددة، والسير فيها بلا هداية يهدد بوقوع الإنسان في مطبات ومزالق خطيرة، على جميع المستويات، سواء المرتبطة بالبعد الفكري أو الاجتماعي، ولذلك فهو في حاجة لدليل يرشده إلى الطريق الصحيح الذي يقوده نحو هدفه. والقرآن هو ذلك الدليل المرشد للإنسان في مسيرته النظرية والعلمية.

وخاصية الإرشاد فيه تتميَّز على أي خاصية أخرى من الكلام البشري، وذلك أن الإنسان قد تكون له أهداف كثيرة في الحياة، بعضها له قيمة والبعض الآخر لا قيمة له دنياً وآخرة، كما أن الطرق إلى هذه الأهداف قد تكون كثيرة، وبعضها أفضل من الآخر، وهنا يأتي دور القرآن الكريم، فهو يوجِّه نظر الإنسان إلى أرقى الأهداف الدنيوية والأخروية، ثم يرسم له الطريق الأسهل والأوضح الذي يقوده إليها.

وإنما يكون لهذا الدور أهمية، لأن الكثير من البشر وفي كثير من الأحيان، يضيعون أهم أوقات حياتهم في السير المتعثِّر واتجاه أهداف وهيمة أو لا قيمة لها، فتراهم تارة هنا وتارة هناك، لذلك فالقرآن الكريم يرشد الإنسان نحو الهدف الحقيقي الذي يستحق الجهد والعناء، ويكشف له الطريق الأقرب والأنسب الذي يقوده إليه.


1.معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج2 ص259. 2.المصباح المنير، مصدر سابق. نقلاً عن التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج3 ص255.