هل المراد الجِدِّي الواقعي للمتكلم له وجود مستقل مماثل لوجود المراد الاستعمالي، أم أنه متفرِّع في وجوده على المراد الاستعمالي ولا استقلاليّة له؟

توضيح ذلك:

تارة المادة المستعمَلة في الخطاب تكون بذاتها كاشفة عن الارادة الجدية للمتكلم، وتارة لا تكون كذلك، فهي في ذاتها وإن كان لها معنى بعينه في التفهيم، إلا أن استعمالها لم يكن يراد منه جِدّاً ذلك المعنى، وإنما يراد معنى آخر في مقام الجد، وبهذا يمكن أن تنفصل الارادة الاستعمالية عن الجدية.

ما هي الثمرة العلمية لكلا المبنيَيْن؟

1. ينتج عن ذلك التفريق فارقٌ مهم يتعلق بالحاجة لمقدمات الحكمة من عدمها.. كيف؟

إذا كان المراد الجدي الواقعي متولِّداً عن المراد الاستعمالي، بحيث كان الكلام بذاته كاشفاً عن  المراد الجدي، وأنّ المراد الجدّي لا وجود له في غير عالم الكلام، فلا حاجة للسؤال عن أن المتكلم هل هو في مقام البيان أم لا، وبالتالي لا معنى للحديث عن مقدمات الحكمة، فمادام قد استُعمِل اللفظ فاللفظ هو المتكفِّل بالبيان والدال على المراد الجدي طبقاً لبناء العقلاء لا مقدمات الحكمة.

أما إذا كان المراد الجدي الواقعي مستقلاً، بأن كان له وجود مماثل للمراد الاستعمالي، وكان الكلام كاشفاً عنهما طولِيّاً بحيث يحصل الانتقال من المراد الاستعمالي وهو التفهيم إلى المراد الجدي وهو الإخبار أو البعث، فلا شك حينئذ بوجود حاجة للسؤال عن أن المتكلم هل هو في مقام البيان أم لا، وبذلك يكون هناك معنى لمقدمات الحكمة.

2. كما ينتج عنه فارقٌ آخر يتعلق بالتنافي وعدمه بين دليل المقيِّد ودليل المطلق في مورد القيد، وهو:

في فرض الاستقلال يكون ورود القيد كاشفاً عن عدم كون المتكلم في مقام البيان بالنسبة إلى القيد عند تكلمه بالمطلق، لذلك ينثلم الاطلاق في هذا المورد، فلا يكون ثمة تنافٍ ومعارضة بين الدليلين في مورد القيد، لعدم شمول المطلق لهذا المورد بعد ورود التقييد، لأن التقييد المنفصل في هذا الفرض يكون كالتقييد المتصل الموجب لقلب الظهور.

فعندما يُنشِيء المتكلمُ الاطلاقَ، فإن إفادة الكلام للإطلاق من جميع الجهات متوقف على إحراز الارادة الجدية، وورود القيد يكشف عدم وجود تلك الارادة بالنسبة لمورد القيد، لذلك لا يحصل تنافٍ بين الاطلاق والتقييد في خصوص مورد القيد، فالتنافي إنما يحصل لو كان في  البين إرادتان جدّيّتان واحدة للمطلق وأخرى للمقيِّد، أما إذا كانت إرادة واحدة فقط للمقيد من دون إرادة للمطلق فلا تنافٍ ولا معارضة، ولذلك يقدَّم المقيد على المطلق في مورد القيد لأنه مفاد الارادة الجدية.

وأما في فرض التبعية فإن الاطلاق لا ينثلم حتى بعد ورود القيد وبما يشمل القيد أيضاً، فالارادة الاستعمالية هي بذاتها كاشفة عن الارادة الجدية، لذلك يكون المطلق مراداً جداً حتى في مورد القيد، وكذلك يكون المقيد مراداً جداً، فتكون هناك إرادتان متعارضتان، لذلك يحصل التنافي بين دليل الاطلاق ودليل التقييد.

بناء على ذلك يأتي السؤال هنا: (أي الدليلين يُقدَّم على الآخر، وبأي وجه يُقدَّم؟).


للإستزادة يمكن مراجعة كفاية الأصول للآخوند الخراساني، ص248، وفوائد الأصول تقريرات المحقق النائيني للكاظمي، مبحث العام والخاص، ومنتقى الأصول، للسيد الروحاني، ج7 ص285- 298.