بيّن سماحة العلامة الدكتور الشيخ فيصل العوامي بأن الأصل في الإسلام الأخذ بمنهج السِّلْم والسلام، بل حتى لو حصل عنفٌ بين الأطرافٍ، بمجرد أن يجنح للسّلم الطرف الآخر فأنت مدعوٌّ حينها للجنوح نحو السلم أيضاً.

الشيخ العوامي وفي خطبته لهذا الأسبوع استعرض بعض الآيات التي تتحدّث عن مفردة (السِّلم والسلام) ومنها قوله جلَّ وعلا:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (سورة البقرة/ 208)، وقوله سبحانه: ﴿وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (سورة الأنفال/61)، وبيّن سماحته بأن هناك من فرَّق بين معنى (السَّلم) بالفتح، ومعنى (السِّلم) بالكسر، وذكر بأن في الآية الأولى الأغلب قرأها بالكسر، بينما في الآية الثانية الأغلب قرأها بالفتح، وأضاف العوامي بأن جملةً قالوا بعدم التفريق في المعنى بين (سَلْم- وسِلْم –وسَلَم) فكلها بمعنى الصُّلح، بينما ذكر بعضهم بأن (سِلْم) بالكسر تعني الإسلام، وبالفتح فقط تعني الصلح، وبناءً على ذلك يكون المعنى في الآيتين مختلفين، ففي الآية الأولى تتحدّث عن الدخول في الإسلام، بينما في الآية الثانية تتحدّث عن الصلح والسلام.

وتابع الشيخ العوامي بأنّا لو قلنا بأن (السِّلم) تأتي بمعنى الصلح أيضاً، فمن الآية الأولى يمكن أن نفهم بأن منهج الإسلام الأصيل والدائم هو السلم والسلام ﴿ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً، بينما من الآية الثانية لا يمكن أن نفهم هذا المعنى دون الاستفادة من آيات ونصوص دينية أخرى، إذ إن الآية تطلب منا الجنوح للسلام والمصالحة بمجرد جنوح الطرف الآخر له فقط.

وقد يتساءل البعض هل يمكن أن يطلب القرآن الكريم من المؤمن الدخول في الإسلام وهذا الذي يُفْهم من الآية الأولى إذا قلنا بأن معنى (السِّلم) هو الإسلام؟!

وأجاب سماحته بأنا في استخدامنا الدارج للغة يمكن أن نستخدم مثل هذا الأسلوب، فالدخول في الإسلام له مقتضيات وشروط، ومنها الصدق والأمانة والسلام وعدم الغش و...، والمطلوب من الإنسان المؤمن أن يلتزم بهذا المقتضيات والقيم التي جاء بها وحثّ عليها الإسلام، بأن يلتزم بها حقيقةً حقّ الالتزام لا اسماً فقط.

أما كيف أراد لنا الإسلام أن نلتزم بالسلم والسلام؟ فقال سماحته بأن ذلك يكون من خلال بثِّ ثقافة السلم والسلام وضخِّها بشكل هائل وكبير بين الناس حتى تظهر آثارها في المستقبل.

وكشاهدٍ على ذلك أشار الشيخ العوامي إلى قضية المصالحة التي قام بها excaim بين قبيلتي الأوس والخزرج في المدينة المنوّرة، والتي قضى من خلالها على تاريخٍ طويل من العنف كان قائماً بينهما، وإن بقيت بعض بذوره موجودةً. وما تمَّ ذلك إلا من خلال عملٍ ذؤوب قام به النبي excaim للقضاء على هذه الظاهرة.

وشدّد الشيخ العوامي على عدم اليأس والاستسلام لحالات العنف، بل ينبغي الإصرار على المنهج السلمي، وهذا ما أكّد عليه أئمتنا (عع) وفي أصعب الظروف، وأهل البيت (عع) هم أجلى مصاديق المظلومية ولكنهم مع كلِّ ما جرى عليهم لم يتعاملوا بالمنهج العنفي مطلقاً. مع كونهم المظلومين عبر التاريخ، نعم سعوا لإظهار مظلوميتهم وخاصّة في قضية كربلاء.