اليقين في المنهج الفقهي
لقد اعتنى الكثير من العلماء وأهل النظر بالخصوص الفقهاء والفلاسفة بمناهج التفكير، وشيّدوا لها قواعد لتنظيم أدائها، لأنها المتحكِّم الأول في الأفكار، بل أسسوا علوماً وعدّوها مجرد أداة لصيانة عملية التفكير، كعلم المنطق الذي يهدف إلى صيانة التفكير من الخطأ، ولم يتوقفوا عند هذا الحد، وإنما حاولوا أن يضعوا لكل علم منهجاً، كعلم أصول الفقه الذي يتكفل بتنظيم أداء الفقيه في بحثه الإستدلالي، وهناك دعوات حثيثة في العديد من الأوساط العلمية وبالذات الحوزات لتوسيع فصول العلم المنهجي ليشمل علم التفسير والكلام، وما اشتغال بعض المختصين بالفلسفة إلا لتقنين أصول وقواعد لعلمي التفسير والكلام، بل إن بعض العلوم هي بذاتها تستبطن مناهج تقنينية، فعلم التاريخ الحديث والأنثروبولوجيا والألسنيات تتضمن مناهج تتأثر بها عملية التفكير على مستوى علوم عديدة.
من هذا المنطلق توسعت البحوث المنهجية، وبدأت بعض المواد العلمية تترشّح لتصبح موضوعات بحثية مستقلة تدخل في حيّز المناهج الشمولية، التي تفيد الباحثين في مختلف العلوم، كمادة الشك التي قُننت بعد جدل علمي طويل لتتلخص فيما يطلق عليه بالشك المنهجي، مع ما يستوعبه هذا الإطلاق من فراغات، حيث طال مجالات عديدة تبعاً لإختلاف الأغراض والمصاديق، ولذا أصبح الشك بنفسه مناهج متعددة، وتشظى إلى معانٍ مختلفة، كالمعنى العلمي والعقلي والفلسفي والأخلاقي وما أشبه.
لقد أخذت هذه المادة حيزاً مهماً وكبيراً في البحوث العلمية المعاصرة، خصوصاً بعدما امتطاها فلاسفة غربيون مخضرمون كديكارت وبيكون، حتى ألقت بظلالها على كثير من البحوث الثقافية والعقدية.
لكن مع شموليتها ومرور العديد من المختصين بها في سياق بحوثهم المتعددة الأبعاد، إلا أنها لم تحظ ببحث نقدي كاف، والمواقف حولها المثبتة والنافية تكاد تكون مضمرة، والعديد من البحوث التي تناولتها بشكل مستقل أقرب إلى الوصفية منها إلى النقدية ، لهذا فهي تحتاج إلى بحث نقدي مفصّل، على مستوى النظرية والتطبيق، بحيث يُنظر في ماهيتها وتاريخها والظروف التي نشأت فيها والتحولات التي مرت بها، ثم ينبغي التوقف طويلاً للتحقق من مستوى انسجامها مع التفكير الديني، خاصة أن النصوص الدينية بكل صورها أولتها اهتماماً ملحوظاً، فالآيات القرآنية ركزت عليها كثيراً ، وكذلك الروايات ، بل وحتى الأدعية .
ونحن في هذا البحث بصدد التعرّف على الموقف الفقهي منها...
هكذا يلخص سماحة الشيخ فيصل العوامي الغاية من هذه الدراسة التي بين أيدينا...