استكمال الحديث عن المساحة العلمية التي يتحرّك فيها الدليل العقلي عند إثبات مواد علم الكلام:

ما هي حدود المنطقة التي يتفرّد بها الدليل العقلي بالنسبة لمواد علم الكلام، عند عدم توفر دليل واقعي وعدم صحّة الاستناد إلى الدليل النقلي؟.

العلاّمة الحلي (ره) ذهب إلى أنّ هذه المساحة على درجة من السعة بحيث لا تتوقف عند وجوب معرفة الله فقط، وإنّما المعرفة التفصيلية الشاملة للصفات الثبوتية والسلبية بل وتفاصيل هذه الصفات، وهكذا بالنسبة لوجوب معرفة الأنبياء (ع) أو الأئمة (ع).

بينما جمعٌ من أكابر الفقهاء والأصوليين والمتكلمين أشكلوا على ما ذهب إليه العلامة الحلي (ره)، من بينهم الشيخ الأنصاري (ره)، وملخّص عبارته:

الدليل العقلي يتوقف عند القول بوجوب معرفة الله عز وجل فقط، أمّا سائر التفاصيل فليست مسرحًا لهذا الدليل بالمعنى الأخص وإنّما هي مسرح للدليل النقلي، وهكذا بالنسبة لوجوب معرفة النبي (ص) والإمام (ع).

والوجه في خروج هذه التفاصيل عن محيط وجوب المعرفة أوّلاً عدم وجود دليل نقلي ولا عقلي يُثبت ذلك.

ثانيًا لغموض هذه المطالب حتى على المتمرسين في علم الكلام أو علم الفقه أو الفلسفة، فما بالك بالنسبة إلى أصاغر الناس، والحال أن الدليل العقلي هو الذي يتساوى فيه كافة البشر المتعلم والأمّي.

إذن ما الذي يجب معرفته بالدليل العقلي؟

قال الشيخ الأنصاري (ره): وجوب معرفة الله جلّ ذكره، ومعرفة أنّ هذا نبيٌ مرسل من الله، ومعرفة الإمام، والرسالة المرسلة.

هذا الذي يثبت بالدليل العقلي، ولا دليل من العقل ولا من النقل على أكثر من هذه التفاصيل، أما سائر الصفات لله ولأنبيائه فلا تثبت بدليل عقلي، ولهذا يناقش العلماء آية "عبس وتوّلى" مثلاً بالدليل النقلي "وإنّك لعلى خلقٌ عظيم".