(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا)
"مِن" في هذه الآية المباركة تبعيضيّة وربما يُفهم منها القلّة مع أنّ عنوان الإيمان بالمعنى الأخص لم يرتفع عن البقيّة، قالبقيّة مؤمنون لكنّ مراتب الإيمان والكمال تختلف، فالآية المباركة تشير إلى مرتبة من مراتب الكمال (الصدق في المواقف) تجعل الإنسان في أرقى درجات الكمال ويصبح من الخواص، ولهذا قرأها الإمام الحسين (ع) على أصحابه.
ويُراد بالصدق في المواقف أنّ الإنسان إذا رفع شعارًا وأعلن استعدادًا لابدّ ألا يتراجع عن كلامه ويصدق فيه عند ساعة الصفر، وهكذا يُميّز الخواص.


عندما نعود لزمن الحسين (ع) نرى الذين كانوا يُنشئون الأشعار قبل واقعة كربلاء في أهل البيت (ع) كُثُر، وكذلك من يُمنّون أنفسهم بالوقوف في كربلاء مع الحسين (ع) لوجود روايات مستفيضة في كربلاء وشهادة الحسين (ع) يعرفها القاصي والداني، لكنّهم في ساعة الصفر لم يكونوا قادرين على اتخاذ الموقف والصدق والوقوف مع الحق والحسين (ع)، بل الأغلب منهم أتى اليوم الذي وقفوا فيه مع الباطل.


فنرى "قُرَّة بن قيس" الذي كان من محبيّ محمد وآل محمد (ص) ومعروفًا بالصلاح، سنحت له فرصةً يوم الثالث من محرّم، فقد دعا عمر بن سعد قرة فقال له: ويحك إلق حسينًا فسله ما جاء به وماذا يريد؟
فجاء حتى سلّم على الحسين (ع) وأبلغه رسالة عمر بن سعد إليه، فقال حبيب بن مظاهر: ويحك يا قرة أين تذهب؟ إلى القوم الظالمين؟ انصر هذا الرجل الذي بآبائه أيدك الله بالكرامة.
قال له قرة: أرجع إلى صاحبي بجواب رسالته وأرى رأيي. فانصرف إلى عمر بن سعد!
ثم سنحت له فرصةٌ أخرى يوم العاشر حيث كان يسير مع الحرّ بن يزيد الرياحي فقال له: يا قرة هل سقيت فرسك اليوم؟ قال: لا. قال: فما تريد أن تسقيه؟ ثم ضرب الحرّ فرسه فلحق الحسين (ع)، بينما بقي قرّة في معسكر الباطل وشهد الواقعة وسمع واعية الحسين (ع).
وتدور الأيّام وهرب عبيد الله بن زياد من البصرة إلى الشام حرسه 100 فارس قائدهم كان قرّة، فأين كان وأين صار؟!

بينما في المقابل نرى "عمّار ابن أبي سلامة الدالاني الهمداني"، فقد وصله خبر جعجعة الإمام الحسين (ع) وهو في الكوفة، وقد جعل عبيداللّه بن زياد زجر بن قيس الجعفي على مسلحة في خمسمائة فارس يمنع من يخرج من الكوفة يريد الحسين (ع) ، فمرَّ به عامر بن أبي سلامة فحمل عليه وعلى أصحابه فهزمهم ومضى‌، فوصل كربلاء والتحق بركب الإمام الحسين (ع)، استشهد في الحملة الأولى يوم عاشوراء.

فهناك شيوخ وهناك أطفال وغلمان انطبقت عليهم صفة الرجولة في الآية التي أطلقها الحسين (ع) عليهم مثل القاسم بن الحسن (ع) الذي قال في الشهادة: "يا عم أحلى من العسل"!، فصفة الرجولة والصدق في الآية إنّما مدارها الموقف الذي يقفه الإنسان ساعة الصفر في نصرة الحق.