هناك آيتان متشابهتان مع تقديمٍ وتأخير له دلالة:
الآية الأولى: ﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ﴾ وهو "حِزقيل" المؤمن.
الآية الثانية: ﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ﴾ وهو حبيب النجّار.
الآية تؤكّد على رجولة حزقيل أكثر بتقديم كلمة رجل: ﴿قَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ﴾، فكلاهما رجلٌ اتخذ موقف رجولي وجاء يسعى بمعنى الهرولة سعيًا كاشفًا عن إنسان صادق ومندفع يريد أن يصل بسرعة وجديّة وعلى يقين من قضيّته.
حبيب النجّار اتخذ موقفًا رغم بعد بيته عن أنطاكيا، فلمّا رأى الرسل الثلاثة من عيسى (ع) لأهل أنطاكيا سُجنوا خرج ساعيًا إلى أن وصل وأعلن كلمته وبشّره الله تعالى بالجنّة عندما قُتِل.
حزقيل المؤمن أعلن كلمته أمام فرعون "أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَه" فلمّا رآهم عازمين على قتله رأى الموقف خطيرًا وانطلق ساعيًا لموسى (ع) ليحذّره "قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ"، بالرغم من مكانته في عائلة فرعون ومنصبه بالدولة خازنًا أو وليًّا للعهد، لكنّه لم ينثني للسعي واتخاذ موقف رجولي.
الإمام الحسين (ع) عندما وصل لمكّة بادر بإرسال رسائل للرؤساء في البصرة، فكان أنصار الحسين (ع) يتشاورون للحاق به، لكنّ "عبد الله بن ثُبيط العبدي" لمّا رآهم يتشاورون ذهب لبيته وأحضر أولاده العشرة ودعاهم كلّهم للخروج لنصرة الحسين (ع) فوافق جميع أبنائه على ذلك فقال: من يخرج معي متقدّمًا؟
بالرغم من أنّ الإمام (ع) لازال في مكّة فذهب معه اثنان من أبناءه، فذهب للمجلس في بيت مارية وأخبرهم، فانضمّ لهم أربعة آخرون أبدوا خوفهم من ابن زياد، لكنّ عبد الله لم يهمّه ذلك.
خرج ولحق بالحسين (ع) حتى وافاه في الأبطح، فلمّا وافاه وضع رحله وخرج لملاقاة الإمام الحسين (ع) الذي خرج لتلقّيه، ولم يتلاقيا فعاد لرحله فأخبروه أن الحسين (ع) عاد، فعاد مسرعًا وعندما رآه قال:
﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ مستبشرًا وفرحًا بلقائه، ثمّ سلّم عليه.
وضمّ رحله لرحل الحسين (ع) حتى استشهدوا في الحملة الأولى في كربلاء.